رحلتي نحو النشاط المجتمعي في حقوق الإنسان

رحلتي نحو النشاط المجتمعي في حقوق الإنسان

هنا في التكتيكات الجديدة، نعتقد أن سرد القصص هو أداة قيَمة للتواصل البشري والإلهام. لقد دعونا مؤخرًا الرئيس والمدير التنفيذي لمركز ضحايا التعذيب، الدكتور سايمون آدامز، لمشاركة كيف وجد طريقه نحو النشاط المجتمعي في حقوق الإنسان. 
اطلّع على قصته أدناه:

أنا طفل ترعرع في الشتات والصراع. عائلتي من أيرلندا الشمالية، لكنني ولدت في الجانب الآخر من العالم في مدينة أوتياروا في نيوزيلندا. لفترة قصيرة، خلال أوائل السبعينيات، عاش اثنا عشر شخصاً منا، أي ثلاثة أجيال، في منزل صغير مكون من ثلاث غرف نوم وفرته الحكومة. نتيجة لذلك، وحتى في سن مبكرة، أدركت اختلاف اللهجات وحقيقة أن الفقر و "المشاكل" أجبرتا عائلتي الكبيرة على مغادرة أيرلندا.
عندما كنت في الرابعة من عمري، قُتلت إحدى عماتي برصاص الجيش البريطاني في مدينة بلفاست ونشأت وأنا أسمع كيف أحرق رجال ملثمين ومسلحين بقنابل حارقة منزل عمتي الأخرى بسبب الفصل الطائفي الصارم. والتي جاءت في النهاية لتنضم إلينا في مدينة أوكلاند مع عمي وثلاثة من أبناء عمومتي. تسبب الصراع المميت في أيرلندا الشمالية في صدمة عائلتي وتشتت أفرادها حول العالم. لكن كطفل، لم أفهم حقًا تأثيرها على مسار حياتي. 
حتى سن المراهقة المتأخرة، وهو الوقت الذي هاجرت فيه عائلتي إلى أستراليا، بدأت أتعلم كيف حاول بعض الناس عبر التاريخ استخدام العرق والدين للتحريض على الكراهية. ومن خلال الاستماع إلى موسيقى "البانك" خلال الثمانينيات، تعرّفت  أيضًا على بعض الأفكار المشتعلة، والتي  شكّلت لي تحدياً لإعادة التفكير في تأثير العرق ورهاب المثلية الجنسية والتمييز على أساس الجنس على آرائي الخاصة.
المظاهرة الفعلية الأولى لحقوق الإنسان التي حضرتها كانت ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. انضممت إلى مجموعة من المنفيين من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والنشطاء المحليين الذين كانوا يحتجون خارج سفارة جنوب إفريقيا في مدينة كانبيرا بعد أن أعلنت حكومة "البيض فقط" حالة الطوارئ في عام 1986. كانت هذه أول مظاهرة من بين العديد من المظاهرات التي حضرتها، في خضمّ تغيري أو تحوّلي من  شخصٍ مهتمٍ بتعلم المزيد عن العالم، لشخص يحاول بنشاط تغييره. 
في النهاية، دفعتني هذه الالتزامات السياسية إلى الانتقال إلى جنوب إفريقيا، حيث عملت لفترة وجيزة مع حركة التحرير أثناء الانتقال من الفصل العنصري إلى الديمقراطية. كما أنني اصبحت منخرط سياسيًا في الصراع في أيرلندا الشمالية. بعد وقف إطلاق النار الأول في عام 1994، عملت مع سجناء سابقين في الجيش الجمهوري الإيرلندي لبناء الدعم السياسي لعملية السلام بين الشتات الأيرلندي. على مر السنين، أخذني عملي وشغفي أيضًا إلى تيمور الشرقية والعديد من البلدان الأخرى، التي تعاني إمّا من نزاع مسلح، أو التي تكافح من أجل إعادة بناء شاملة، من الجذور.  
لكن في رواندا بدأت أفكر بجدية في العلاقة بين حقوق الإنسان والدبلوماسية الدولية. خلال زياراتي للبلاد في السنوات التي تلت الإبادة الجماعية عام 1994، التقيت بالعديد من الناجين الذين غالبًا ما سألوني نفس السؤال وهو "أين كان العالم؟" على الرغم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووعد ما بعد الهولوكوست بـ "عدم تكرار ذلك أبدًا"، فقد أدار المجتمع الدولي ظهره لرواندا في لحظة الحاجة. نتيجة لذلك، قُتل مليون شخص، معظمهم من عرقية التوتسي في 100 يوم فقط بين أبريل ويوليو من عام 1994. وبالوقوف مع الناجين الذين فقدوا كل من أحبهم والذين كانت أجسادهم تحمل ندوبًا مرئية في بعض الأحيان، كان من المستحيل عدم مشاركتهم في فكرة عدم فهم كيف سمح العالم بمثل هذا الرعب. 

 


سايمون آدمز يتحدث إلى مجموعة من الطلاب ونشطاء حقوق الإنسان في المحكمة الدستورية بجنوب إفريقيا، 2009

تاريخياً، لم تقم أي قضية بتلطيخ سمعة الأمم المتحدة كما فعل الفشل في وقف الفظائع. تعود قائمة الأمثلة التي امتدت لعقود إلى إندونيسيا خلال الستينيات، وكمبوديا وبنغلاديش خلال السبعينيات، والإبادة الجماعية ضد الأكراد في العراق خلال الثمانينيات، على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك، يمكن القول إن الأمم المتحدة لم تبدأ في التعامل مع هذا الفشل الأخلاقي والدبلوماسي حتى رواندا وسريبرينيتشا خلال التسعينيات.
هذا هو الواقع السياسي الذي كان يلمح إليه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان عندما تحدث عن الحاجة إلى المواجهة العاجلة "للمشاكل بدون جوازات سفر"، وأدى إلى تطوير مبدأ مسؤولية الحماية كوسيلة في حشد "الإجراءات الحاسمة وفي الوقت المناسب" من قبل المجتمع الدولي لمنع أو وقف الفظائع أينما وقعت. في عام 2011 تم تكليفي بقيادة المركز العالمي لمسؤولية الحماية، الذي تم تشكيله بتشجيع نشط من كوفي عنان، وانتقلت إلى نيويورك مع زوجتي وأولادي. أمضيت العقد التالي في بناء الدعم لمعيار مسؤولية الحماية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وبين الحكومات والمدافعين عن حقوق الإنسان.
على الرغم من هذه الجهود، هناك الآن 100 مليون شخص حول العالم تشردوا بسبب الاضطهاد والصراع والفظائع وهو أكبر عدد منذ الحرب العالمية الثانية. أولئك الذين حالفهم الحظ منا للعيش في مجتمعات لا يخافون فيها من المنجل أو فرق الموت أو المقبرة الجماعية، يحتاجون إلى تكثيف الضغط على حكوماتنا والأمم المتحدة للقيام بعمل أفضل وتحقيق أهداف أعلى. لأنه في كل مكان في العالم حيث يوجد اضطهاد وصراع، هناك أيضًا أشخاص ينظمون لإنهائه.
في بعض الأماكن، يدفع أولئك الذين يواجهون الظلم ثمناً باهظاً لنشاطهم. في جنوب إفريقيا، كان لي شرف العمل مع زملائي من حركة مناهضة الفصل العنصري الذين عانوا من التعذيب الشديد، بما في ذلك ماك مهراج، الذي سُجن في جزيرة روبن مع نيلسون مانديلا وساعد لاحقًا في كتابة دستور البلاد الديمقراطي. كان ماك موجهاً لي، وعرفت أن التعذيب الذي مارسه عليه رجال الأمن استمر لأسابيع. وقد أشار مانديلا ذات مرة أنه قد طغى عليه التأثر الشديد بمجرد قراءة ما نجا منه ماك. "وأنا أفتخر بنفسي لأنني لم أتعرض للتأثر بسهولة." على الرغم من مرونته وتفاؤله وطاقته التي لا هوادة فيها، يمكنك في اللحظات الهادئة أن ترى أن ماك ظل مطارداً من ماضيه.
وينطبق الشيء نفسه على الناجين الآخرين من التعذيب الذين التقيت بهم أو صادقتهم أو عملت معهم. لا يهم ما إذا كان التعذيب قد تم في زنزانة باردة في جنوب إفريقيا أو سوريا أو فنزويلا أو ميانمار أو أي مكان آخر. تلتئم الجروح الجسدية بسرعة نسبية، لكن تبقى الآثار النفسية العاطفية للتجربة.
من خلال كل ذلك، بدأت في تطوير فهم أوضح أن التعذيب ليس مجرد فعل جسدي. هناك سطر في مسرحية الملك لير لويليام شكسبير، "نحن لسنا أنفسنا عندما تكون الطبيعة مضطهدة، تأمر العقل بأن يعاني مع الجسد." هذا هو السبب في أنني فخور جدًا لكوني الآن جزءًا من مركز ضحايا التعذيب ولعب دور صغير في مساعدة الناجين على إعادة بناء حياتهم. 
آمل أن تنظر الأجيال القادمة إلى التعذيب بالطريقة التي ننظر بها الآن إلى حرق الساحرات أو الفصل العنصري أو العبودية في نهاية المطاف، على أنها ممارسات قديمة من ماضٍ قاسٍ لا يمكن استيعابه. أعتقد أن منظمة مركز ضحايا التعذيب يمكن أن تلعب دورًا فريدًا في "ثني قوس التاريخ" والمساعدة في القضاء على التعذيب في جميع أنحاء العالم.


الدكتور سايمون آدامز، الرئيس والمدير التنفيذي لمركز ضحايا التعذيب.



سايمون يحضر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، 2014