شكراً لمشاركتكم معنا في حوارنا الإلكتروني الذي عقده برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الانسان حول حملات المدافعة في المجتمع المدني وأثرها على عمليات التغيير باستخدام برنامج زوم وبث مباشر على الفيسبوك، يوم الثلاثاء 18 فبراير 2025، من الساعة الثالثة مساءً حتى الساعة الخامسة مساءً بتوقيت الأردن. شارك بالندوة عدد من المتحدثين من دول مختلفة من الوطن العربي:
نور الديسي – متحدثة عن حملات المدافعة على المستوى المحلي والوطني، ممكنة حملات ومديرة مشاريع في أهل للتنظيم المجتمعي.
صابر سعيد – متحدث عن بناء التحالفات والشراكات في حملات المدافعة، متخصص في الإعلام الرقمي والمدافعة.
ويسر الحوار الاستاذ باسل ابراهيم من برنامج التكتيكات الجديدة.
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمعات اليوم، من المهم تسليط الضوء على حملات المدافعة المتعلقة بالقضايا الملحة، وتحفيز العمل الجماعي، والدفاع عن حقوق الأفراد والجماعات. تعد هذه الحملات أداة أساسية للتأثير على صانعي القرار، وإحداث تغيير ملموس ومستدام في المجتمع.
توفر هذه الندوة فرصة فريدة للتعلم من خبراء وناشطين في المجال، ومناقشة التحديات والفرص التي تواجه حملات المدافعة. كما تتيح تبادل الأفكار والتجارب التي يمكن أن تسهم في تحسين الجهود المشتركة لتعزيز دور المجتمع المدني.
تالياً أبرز المواضيع في الندوة. حيث سوف تقسم الندوة إلى محورين رئيسية كالتالي:
- حملات المدافعة على المستوى المحلي والوطني: التعريف بالمفهوم، مجالات التنفيذ، والأهداف لتحقيق تغيير فعّال.
تلعب حملات المدافعة دورًا محوريًا في تعزيز حقوق الإنسان ودعم القضايا المجتمعية على المستويين المحلي والوطني. من خلال تسليط الضوء على القضايا الملحة وبناء شبكات التأثير، حيث أنه تساهم هذه الحملات في تحقيق تغييرات ملموسة ومستدامة.
في هذا المحور، ستقدم الاستاذة نور الديسي تعريفًا شاملاً لحملات المدافعة، موضحًا مفهومها وأهميتها. كما سنتعرف على المجالات المختلفة التي تُنفذ فيها هذه الحملات، والأهداف التي تسعى لتحقيقها ودورها الفعّال في إحداث تغيير إيجابي يعزز قيم العدالة والمساواة داخل المجتمعات.
- بناء التحالفات والشراكات: أهميتها وتأثيرها على نجاح حملات المدافعة، مع استعراض أمثلة عملية والتحديات التي تواجهها.
تعتبر التحالفات والشراكات من العوامل الأساسية التي تساهم في تعزيز فعالية حملات المدافعة، حيث توفر الدعم والمشاركة في تحقيق الأهداف. في هذا الجزء من الندوة، سيتناول المتحدث الاستاذ صابر سعيد أهمية بناء التحالفات والشراكات في حملات المدافعة، موضحًا كيفية تأثير هذه التحالفات في تعزيز النجاح وتحقيق التغيير المنشود.
كما سيستعرض أمثلة عملية لتحالفات ناجحة وأخرى لم تحقق الأهداف المرجوة، بالإضافة إلى الدروس المستفادة من هذه التجارب. سنتناول أيضًا التحديات التي قد تواجه عملية بناء التحالفات وكيفية التغلب عليها لضمان استدامة وتأثير أكبر للحملات.
تالياً تتوفر نسخة مكتوبة من الندوة:
في البداية، أُرحّب بكم جميعًا في هذا الحوار المهم والثري، الذي يجمع بين الخبرات العملية والتجارب الميدانية، مما يساعدنا على فهم أعمق لدور المدافعة في إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتنا.
معكم باسل إبراهيم الجالودي، مدرّب في برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان، وسأكون ميسّرًا لهذا الجزء الحواري في ندوتنا اليوم.
محاور الندوة:
🔹 المحور الأول: حملات المدافعة على المستوى المحلي والوطني. ستتحدث في هذا المحور نور الديسي، التي ستشاركنا خبراتها في تنظيم حملات مدافعة فعّالة تُسهم في إحداث تغيير.
🔹 المحور الثاني: بناء التحالفات والشراكات في حملات المدافعة. وهو عنصر أساسي في نجاح أي حملة، وسيتناول هذا المحور صابر سعيد، حيث سيقدّم لنا رؤى حول كيفية توحيد الجهود لضمان تأثير أقوى واستدامة أكبر للحملة.
مجدّدًا، أُرحّب بجميع المشاركين والحاضرين، وأخصّ بالترحيب بمتحدّثينا الكريمين نور وصابر، ونشكرهما على تخصيص هذا الوقت لمشاركتنا خبراتهما اليوم.
🎯 الهدف من هذه الجلسة:
📌 تقديم رؤية أعمق حول حملات المدافعة، مفهومها، مجالات تنفيذها، وأهدافها لتحقيق تغيير فعّال.
📌 استكشاف دور بناء التحالفات والشراكات في تعزيز فعالية الحملات وضمان تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
وقبل أن نبدأ بمناقشة المحاور، أُرحّب بالجميع مرة أخرى، بالمتحدثين والمشاركين والحاضرين، وأيضًا بزملائي في برنامج التكتيكات الجديدة.
والآن، زميلي عمر طباخة، مدير برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليقدّم لنا لمحة عن برنامج التكتيكات الجديدة ومركز ضحايا العذيب.
عمر طباخة:
شكرًا لك، باسل. شكرًا، أيمن. وأهلًا وسهلًا بالجميع.
قبل أن أتحدّث عن برنامج التكتيكات الجديدة، أودّ أن أعبّر عن سعادتي بلقاء زملائنا من مؤسسة أهل ومنظمة جيان في العراق.
نور من مؤسسة أهل، وهي منظمة نعتزّ بالتعاون معها، ونتابع منهجيتها في التنظيم المجتمعي. صابر من جيان، وهي منظمة كان لنا تعاون مستمر معها، خاصة فيما يتعلّق بـ تحالف C4JR، حيث نعمل معًا منذ 3-4 سنوات.
أنا عمر طباخة، مدير برنامج التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
برنامج التكتيكات الجديدة تأسس عام 1999 كجزء من مركز ضحايا التعذيب (CVT)، لدعم نشطاء حقوق الإنسان في تخطيط وتنفيذ حملات مدافعة أكثر فاعلية واستراتيجية.
في عام 2011، افتتحنا مكتبنا في الأردن، وبدأنا بنقل المعرفة حول التخطيط الاستراتيجي لحملات المدافعة، ليس فقط في الأردن، بل أيضًا في المغرب، تونس، فلسطين، لبنان، والعراق.
هذه الندوة هي الأولى ضمن سلسلة من ثلاث ندوات ننظّمها هذا العام. يسعدنا رؤية العديد من المشاركين الذين حضروا تدريباتنا سابقًا، ونتمنى أن تكون هذه الجلسة غنية بالنقاشات والتجارب المفيدة.
المحور الأول: حملات المدافعة على المستوى المحلي والوطني
حملات المدافعة تلعب دورًا محوريًا في تعزيز حقوق الإنسان ودعم القضايا المجتمعية، من خلال تسليط الضوء على القضايا الملحّة وبناء شبكات التأثير. هذه الحملات تساهم في تحقيق تغييرات ملموسة ومستدامة.
في هذا المحور، ستقدّم نور الديسي تعريفًا شاملًا لحملات المدافعة، موضّحةً:
📌 مفهومها وأهميتها.
📌 مجالات تنفيذها.
📌 الأهداف التي تسعى لتحقيقها.
📌 دورها الفعّال في إحداث تغيير إيجابي يعزّز قيم العدالة والمساواة.
ولكن قبل أن نبدأ، دعونا نتعرّف على متحدثتنا نور الديسي.
نور الديسي هي مُدرّبة حملات ومديرة مشاريع في مؤسسة أهل للتنظيم المجتمعي.
حاصلة على شهادة البكالوريوس في الإخراج والتمثيل المسرحي من جامعة اليرموك عام 2005، عملت كمعلمة ومدربة دراما في عدة مؤسسات، بدأ شغفها بالعمل التطوعي في طفولتها، وشاركت بعدد من المؤتمرات الشبابية كميسرة ، وأخرجت مجموعة من المسرحيات للشباب والأطفال مع مدارس اليوبيل و كلية التراسنطة واتحاد المرأة الأردنية ومؤسسة عبد الحميد شومان، لديها خبرة في التعليم لأكثر من 14 سنة، كما عملت مع مؤسسة رنين كمؤدية صوتية ومدربة للدراما، ومع اتحاد المرأة الأردنية ضمن مشروع التوعية بمخاطر الزواج المبكر والعنف المبني على النوع الاجتماعي.
وهي من الأعضاء المؤسسين لحملة ابني للمطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
تخرجت من مساق أهل عن بعد “القيادة وتنظيم العمل الجماعي للتغيير” في عام 2021، وشاركت كميسرة في ورشات القصة العامة التي تنظمها مؤسسة أهل، وكانت ضمن الفريق التدريسي مساق أهل عن بعد “القيادة وتنظيم العمل الجماعي للتغيير” في عام 2022.
نرحب بكِ، نور، معنا مرة أخرى، وتفضّلي ببدء المحور الأول.
نور الديسي:
شكرًا باسل، وشكرًا للتكتيكات الجديدة على هذه الفرصة. سعيدة أنا بوجودي معكم، وسعيدة بكل الأشخاص الحاضرين معنا اليوم في هذه الندوة لنتعرف ونتعلم معًا عن حملات المدافعة.
خبرتي ربما أكثر في مجال حملات التنظيم المجتمعي، وسنتحدث الآن عنها وعن دورها في إحداث التغيير في المجتمعات. أودّ أيضًا التحدث أكثر عن مؤسسة أهل، فنحن في مؤسسة أهل نعمل في مختلف الدول العربية، وهذه فرصة رائعة للقاء أشخاص جدد. قد يكون هناك أيضًا من يعرف مؤسسة أهل من مساحات مختلفة.
كما ذكرنا، أحد أهم مجالات عملنا هو مساق القيادة والتنظيم والعمل الجماعي، والذي انطلق الأسبوع الماضي للمرة السادسة مع مؤسسة أهل، حيث نقوم فيه بالتدريب والتعليم على ممارسات التنظيم المجتمعي، بالإضافة إلى مرافقة الحملات.
في مؤسسة أهل، نحن لا نقتصر على تقديم المساق فقط، بل نرافق أيضًا الحملات على أرض الواقع في العديد من المناطق في الوطن العربي، مثل فلسطين، الأردن، سوريا، اليمن، العراق، والمغرب العربي الكبير.
أنا سعيدة بوجودي معكم اليوم، وأودّ أن أبدأ هذه الندوة بالحديث عن مناهج التغيير. بما أننا نتحدث عن التغيير أو دور الحملات في تحقيقه، فإن هناك عدة مناهج يمكن اتباعها كأفراد أو كمجموعات للوصول إلى التغيير المنشود.
من مناهج التغيير:
- حملات المدافعة أو حملات المناصرة.
- كسب التأييد والمرافعات القضائية.
- حملات التوعية، التي أصبحت منتشرة بشكل كبير.
- المظاهرات والاعتصامات، وهي أشكال من التحشيد لتحقيق التغيير.
جميع هذه المناهج موجودة لأن الأشخاص المشاركين فيها يؤمنون بأهمية دورهم في تحسين الواقع لمجتمعات أكثر عدالة ومساواة، وتعزيز القيم المجتمعية.
لكن لا يمكننا الحديث عن التغيير بمعزل عن العوامل التي تؤدي إليه. لتحقيق التغيير، يجب أن نفهم كيف يحدث، وكيف تتأسس الحملات، وما هي العوامل التي تساهم في تحقيق التغيير المنشود.
كما ترون في العروض التوضيحية، لدينا عدة أدوات لتحقيق التغيير، مثل:
📌 التحشيد.
📌 الإعلام الاجتماعي.
📌 المقاضاة.
📌 التنمية المجتمعية.
📌 الحملات الانتخابية.
📌 تغيير نمط الحياة.
📌 الخدمات المباشرة، والتي تُعرف بالنهج الرعائي، مثل حملات جمع التبرعات لتقديم المساعدات للأفراد المحتاجين.
كل هذه المناهج تسعى لتحقيق مجتمع أكثر عدالة، وأكثر احترامًا للحقوق، وتعزيز القيم المجتمعية. لكن لتحقيق هذا التغيير، من المهم فهم أين تكمن القوة في المجتمع.
عندما نفكر في القوة في المجتمع، فإن أول ما يخطر في بالنا هو صاحب القرار، إذ يُعتقد أنه الجهة التي تمتلك السلطة لإجراء التغييرات. لذلك، في حملات المدافعة، يكون الهدف هو الضغط على صاحب القرار أو إقناعه باتخاذ موقف معين أو دعم مطالب معينة.
لكن في التنظيم المجتمعي، نفكر في القوة بشكل مختلف. فنحن ندرس القوة من عدة زوايا، ونعتبر أن هناك ثلاثة مستويات للقوة:
- المستوى الأول: صاحب القرار، وهو الجهة التي تصدر أو تطبق القرارات.
- المستوى الثاني: الأجندة والقوانين التي تحدد إطار القرارات. فصاحب القرار ملزم بالقوانين والتشريعات، مثل قرارات مجلس النواب.
- المستوى الثالث: الناس، أي المجموعات التي تستفيد أو تتضرر من القرارات. هذه الفئة هي الأهم، لأنه عند تنظيمها بشكل صحيح، يمكنها التأثير على موازين القوى.
وهنا يأتي دور حملات المدافعة، حيث تسعى لتغيير موازين القوة، بحيث لا يكون صاحب القرار هو المتحكم الوحيد بالقرارات دون الرجوع إلى الفئات المتضررة أو المستفيدة من تلك القرارات.
عادةً، تبدأ حملات المدافعة بتجمع مجموعة من النشطاء لدراسة مشكلة معينة، ثم العمل معًا للضغط على صانع القرار أو إيجاد حلول بديلة لتحقيق العدالة.
أما في حملات التنظيم المجتمعي، فإن الفرق الأساسي يكمن في الأشخاص الذين يقودون التغيير. فالقاعدة الأساسية هي أن الأشخاص المتضررين من المشكلة هم الذين يجب أن يتنظموا ويقودوا الحملة بأنفسهم.
على سبيل المثال، في قضايا حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، من هم المتضررون الأكبر من هذه القضية؟ الجواب البديهي هو الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم. ولكن إذا كانوا أطفالًا، فهناك أيضًا دائرة أخرى متضررة، وهم أهالي هؤلاء الأطفال.
في التنظيم المجتمعي، نؤمن بأن أهل القضية هم الأحق بقيادة التغيير، بينما يمكن للنشطاء والمناصرين دعمهم دون أن يحلوا محلهم في القيادة.
البعض قد يعتقد أن أهل القضية لا يملكون القوة أو القدرة الكافية للبدء بالمطالبة بحقوقهم، ولذلك يحتاجون إلى دعم النشطاء أو المتضامنين معهم. في التنظيم المجتمعي، نحن لا نعارض ذلك، بل نعتبر أن وجود الداعمين للقضية مهم جدًا، لكن الفرق الأساسي هو أن القيادة يجب أن تكون بيد أهل القضية أنفسهم.
الهدف من التنظيم المجتمعي هو بناء قوة حقيقية لأهل القضية، بحيث لا يكون دورهم مقتصرًا على المشاركة في الوقفات الاحتجاجية فقط، بل يكون لهم دور فاعل ومنظم في قيادة التغيير.
على سبيل المثال، إذا أردنا تنظيم حملة لمطالبة وزارة العمل بتحسين حقوق المعلمات في القطاع الخاص، فإن مجرد تنظيم وقفة احتجاجية قد يُظهر أن هناك مشكلة حقيقية، لكنه لا يضمن استدامة الحملة أو تحقيق الأثر المطلوب. أما التنظيم الحقيقي، فهو أن يكون هناك عدد من القادة داخل المجموعة، بحيث تتوزع الأدوار والمسؤوليات، ويتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي.
وهكذا، فإن الفكرة الأساسية في التنظيم المجتمعي ليست فقط رفع الصوت أو التوعية، وإنما بناء فرق منظمة تستطيع قيادة التغيير بشكل استراتيجي ومستدام.
المشكلة ومن المستفيد الأكبر عندما ننحاز؟
فالجواب البديهي أنه الأشخاص ذوو الإعاقة، صحيح؟ لكن إذا كانوا أطفالًا من ذوي الإعاقة، فهناك دائرة أخرى من أهل القضية المتضررين، وهم أهالي الأشخاص ذوي الإعاقة. وبرأينا، في التنظيم المجتمعي، أهل القضية هم الأحق والأولى بأن يبدأوا بالتحرك للمطالبة بحقوقهم أو للعمل المنظم حتى يصلوا إلى التغيير الذي يسعون إليه.
يمكن، عندما نفكر في الأمر، أن يقول الكثيرون: “أهل القضية ليس لديهم القوة أو القدرة على البدء بالمطالبة”، ولهذا السبب، يجب أن يكون هناك نشطاء أو أشخاص آخرون يساعدونهم ويسعون معهم. في التنظيم المجتمعي، نحن لا نعارض هذا الطرح، بل على العكس، من المهم جدًا وجود الداعمين للقضية، الذين يتحركون معنا أو مع أهل القضية. ولكن الفرق هنا هو أن الداعمين ليسوا هم من يقودون الحملة، وهذا هو جوهر الفرق في الحملات. الفكرة تكمن في أهمية وجود تنظيم لأهل القضية والناس المتضررين بطريقة مدروسة وممنهجة، بحيث لا يكون الأمر مقتصرًا فقط على تحشيدهم أو توعيتهم، بل إشراكهم في فرق منظمة تبني قوتهم.
معنى بناء القوة لأهل القضية
على سبيل المثال، يمكنني تحريك الناس ودعوتهم للانضمام إلى وقفة احتجاجية أمام وزارة العمل للمطالبة بحقوق المعلمات في القطاع الخاص، وأقوم بحشد هؤلاء المعلمات وإخبارهم عن التحرك، فيأتون ويتجمعون معي. هذا التحرك مهم جدًا، ويُظهر القوة في أن مجموعة من المعلمات في القطاع الخاص اجتمعن أمام وزارة العمل للمطالبة بحقوقهن. لكن التنظيم الحقيقي لا يعني فقط أن يقوم شخص أو شخصان بقيادة العملية والتحركات، بل يجب أن يكون هناك عدد من المنظمين داخل هذه الحملة، بحيث يعملون معًا وفق قيادة تشاركية. فهم من يضعون خطة العمل، ويدرسون المشكلة، ويحللونها، ويخططون معًا للوصول إلى الهدف المحدد الذي يسعون إليه.
إذا أردنا تعريف التنظيم المجتمعي، فهو إيجاد وبناء قيادة قادمة من أهل القضية، وتشكيلهم في فرق قيادية، وتفعيل مواردهم في عمل جماعي منسق لتحقيق التغيير المحدد.
دور أهل القضية في التنظيم المجتمعي
إن تنسيق العمل الجماعي واستغلال موارد أهل القضية هو عنصر أساسي في تنظيم المجتمع وحملات المناصرة. فوجود أهل القضية في التنظيم المجتمعي هو أساس التغيير. نحن لا نتحدث عن أي شخص ناشط، مع أن وجود الناشطين والداعمين مهم، لكن تخيلوا لو أن هناك مشكلة يعاني منها أحدنا بشكل يومي، كم سيكون لديه دافع قوي للتحرك بسبب معاناته المستمرة؟ هذا يجعله الأكثر معرفة بجذور المشكلة، وأسبابها، ونتائجها، وبالتالي الأكثر قدرة على قيادتها نحو الحل.
أما بالنسبة لاستغلال موارد أهل القضية، فالذي يجعل أي مجموعة أقوى هو قدرتها على الاستفادة من مواردها. وهنا لا نعني بالموارد فقط الموارد المادية أو المالية، بل أيضًا الموارد البشرية. فمثلًا، نحن هنا في هذه الجلسة عبر “زووم”، وكل واحد منا لديه مؤهلات ومعارف وقدرات مختلفة. بعضنا يمتلك القدرة على الوصول إلى الأشخاص، وبعضنا لديه وقت والتزام يمكنه تقديمه، وبعضنا يتميز بالنفس الطويل في التحركات، أو يمتلك مهارات في التنظيم، أو جمع المعلومات، أو إدارة البيانات. عندما تتجمع هذه الموارد بطريقة منظمة وتُستخدم في تحركات مخططة، تصبح أقوى وتؤثر في موازين القوى.
التنظيم هنا يعني إدارة هذه الموارد بفاعلية، بحيث نعمل وفق استراتيجية محددة، بدلًا من تحركات عشوائية أو ردود فعل على الأحداث الجارية. كل تكتيك يُبنى على التكتيك السابق، ويمهد للتكتيك التالي، للوصول إلى الهدف المحدد الذي نريده.
كيفية البدء في تنظيم حملة مجتمعية؟
إذا أراد أحدكم أن يبدأ حملة لتنظيم مجتمعي حول قضية معينة يعاني منها في مجتمعه، كيف يمكنه فعل ذلك؟ أول سؤال يجب أن يسأله المنظم لنفسه هو: من هم جماعتي؟
نحن لا نبدأ بالمشكلة فقط، بل نبدأ بالناس. من هم أهل القضية الذين سيعملون معي؟ فمثلًا، إذا كنت أعمل في حملة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن “ناسي” هم الأشخاص ذوو الإعاقة وأهاليهم، ونتحرك معًا لأننا جميعًا أهل القضية. بعد تحديد الجماعة، ننتقل إلى تحديد المشكلة التي نواجهها، وما هو التغيير الذي نريده.
تحديد المشكلة والهدف
قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة كثيرة ومتنوعة، مثل تحديات في خدمات التأهيل، الدمج في المدارس، الدمج في العمل، التهيئة البيئية، وقبول المجتمع لهم. لا يمكن العمل على كل هذه القضايا دفعة واحدة، لذلك يجب تحديد مشكلة محددة نبدأ بالعمل عليها. هذا لا يعني التنازل عن بقية القضايا، ولكنه يساعد في تحقيق تغيير ملموس عبر خطوات متسلسلة نحو الرؤية الأكبر.
بعد تحديد المشكلة، يتم تحديد الهدف المحدد، والذي يجب أن يكون قابلًا للقياس. مثلًا، إذا كان الهدف هو أن يحصل الأشخاص ذوو الإعاقة على خدمات تأهيل مجانية خلال سنة، فهذا هدف واضح يمكن قياسه. ثم نحدد الجهة المسؤولة عن تحقيق هذا الهدف، مثل وزارة الصحة، ونبدأ بالتخطيط لكيفية إقناع الوزير أو الضغط عليه لتحقيقه.
تحليل اللاعبين المؤثرين
هنا نحلل من هم الفاعلون المؤثرون في هذه القضية؟ من هم الداعمون لنا؟ من هم المعارضون؟ من هم المنافسون؟ وبعد هذا التحليل الاستراتيجي، نخطط لكيفية توظيف مواردنا لخلق قوة قادرة على تغيير موازين القوى وتحقيق الهدف.
قيادة تشاركية في التنظيم المجتمعي
جوهر التنظيم المجتمعي هو أن القيادة تكون تشاركية. ليس الأمر مجرد أن هناك قاعدة شعبية تتحرك مع الحملة، بل يجب أن تكون هناك بنية واضحة للحملة أو المجموعة، بحيث تتيح التواصل الفعّال، وتضمن أن لكل شخص دورًا ومسؤوليات واضحة. القيادة التشاركية تعني أن يكون هناك تفاعل حقيقي، حيث يشارك الجميع في بناء الاستراتيجية واتخاذ القرارات.
ما معنى القيادة؟
قبل أن نتحدث عن القيادة التشاركية، يجب أن نفهم معنى القيادة. يختلف مفهوم القيادة من مجال لآخر. مثلًا، في العمل، المدير هو قائد، لكنه يعمل ضمن قوانين ومؤسسات، بينما في الجيش، القائد لديه سلطة تنفيذية. أما في التنظيم المجتمعي، فالقائد ليس مجرد شخص في موقع المسؤولية، بل هو من يستطيع تمكين الآخرين وبناء قوة جماعية تقود التغيير.
مثال القيادة في الجيش هي القدرة على جعل الأشخاص ينفذون أوامري.
في مثلًا العمل، أحيانًا نقول إن القائد هو الملهم والمحفز للأشخاص، وهذا أيضًا تعريف للقيادة. فيختلف المعنى من مكان لآخر، لكن إذا أردنا التفكير فعلًا بالقيادة في التنظيم المجتمعي.
زهيرة كتبت تعريفًا: “تعني القدرة على توجيه الأفراد أو الجماعات لتحقيق هدف معين من خلال التأثير والإلهام واتخاذ القرارات المناسبة. تتطلب القيادة مهارات مثل التواصل الفعال، الرؤية الاستراتيجية، القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات الحكيمة، ويمكن أن تكون القيادة في مختلف المجالات مثل السياسة، الأعمال، التعليم، المجتمع المدني، وحتى في الحياة الشخصية.”
التعريف مهم جدًا، لكن لدي مشكلة واحدة في هذا التعريف، وهي فكرة “التوجيه“.
عندما أكون قائدة وأرغب في توجيه القادة من حولي لاتخاذ القرار الذي أراه مناسبًا، فإنني بذلك أُقصي نفسي وأحرم العمل الجماعي من خيارات أخرى قد يمتلكها الآخرون. إذًا، لا أوجههم، بل أتيح لهم المساحة للمشاركة في اتخاذ القرار الأنسب للجميع.
القيادة في التنظيم المجتمعي هي:
أخذ المسؤولية لتمكين الآخر من التصرف في مواجهة الغموض لتحقيق الهدف المشترك.
نتفق على فكرة تحقيق الهدف المشترك من خلال القيادة، لكن دوري كقيادية أساسي في تمكين الآخرين للتصرف. فمثلًا، لو جاءت زهيرة وشاركتني تحديًا تواجهه في عملها الجماعي، لن أقول لها “افعلي 1، 2، 3″، بل سأبدأ معها بأسئلة لفهم سبب التحدي، ثم أسئلة أخرى لاستكشاف الخيارات المتاحة. أي أنني أساعدها في استكشاف طرق للتصرف دون فرض توجيه مباشر عليها.
هذا هو دور القيادة في التنظيم المجتمعي، لأنني إن قدمت الحل في كل مرة، فستعود إليّ زهيرة دائمًا للبحث عن حل جديد، بينما إذا مكنتها من الأدوات اللازمة، فستتمكن من مواجهة التحديات بنفسها في المستقبل.
نحن جميعًا في العمل الجماعي نحلل وندرس، ولكننا نواجه الغموض دائمًا.
هل سننجح في العمل؟ هل سنفشل؟ ما العقبات التي قد تواجهنا؟ هل هناك تحديات أو فرص؟ هذا كله غموض. وهنا تظهر القيادة في تمكين الآخرين من التصرف في مواجهة هذا الغموض.
التمكين: عندما أمكّن شخصًا في القيادة، أضمن استمرار عملية التمكين، مما يجعله قادرًا على تمكين الآخرين في حملته. بهذا الشكل، تصبح القيادة مستدامة، ويصبح الأفراد أكثر قدرة على قيادة العمل الجماعي والتعاون معًا.
لأننا في سياق وظروف قد لا يكون فيها العمل الجماعي سهلًا دائمًا، إلا أن إيماننا بقوة الناس هو جوهر القيادة.
فدوري كقيادية ليس فقط في الإلهام، بل أيضًا في تحفيز الآخرين ومساعدتهم على إيجاد حلول واقعية للوضع الذي يمرون به.
نماذج القيادة:
- نموذج القائد الواحد: في هذا النموذج، إذا استُهدف القائد، أو قُتل، أو أصابه الإعياء، أو قرر الانسحاب، فإن الحملة قد تنهار وتتوقف.
- نموذج الفريق القيادي الواحد: هنا، يكون الفريق القيادي مسؤولًا عن التخطيط وإدارة الحملة، لكنهم قد يواجهون الإرهاق بسبب كثرة المسؤوليات، ما قد يؤدي إلى انسحابهم أيضًا.
- نموذج القيادة التشاركية: في هذا النموذج، لا يعتمد نجاح الحملة على فرد واحد أو مجموعة صغيرة، بل على فرق متعددة، بحيث لو انسحب أحد القادة، يتمكن آخرون من الاستمرار بنفس الكفاءة.
القيادة التشاركية تضمن استمرارية العمل المنظم.
وأعتقد أن أساس حملات المناصرة أو التنظيم المجتمعي أو حملات التغيير هو “الاستمرارية”، لأننا نعلم جميعًا أن التغيير يحتاج إلى نفس طويل ولا يحدث بين ليلة وضحاها.
ختامًا، الاستمرارية تتحقق عندما ينظم أهل القضية أنفسهم.
فأنا كأم لطفل من ذوي الإعاقة، أعيش يوميًا معاناة غياب حقوق ابني، لذا سأظل أطالب بهذه الحقوق إلى أن تتحقق.
ممكن أن أرتاح أو أن أبدأ بقضية أخرى، فمثلاً قد أطالب مجدداً بضرورة إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل. وهنا يكون استمرار النفس أطول، ودوري مع أهالي الأشخاص ذوي الإعاقة وأيضاً مع الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم يتمثل في كيفية تمكينهم ليصبح لديهم القيادة ويتمتعوا بصفات القائد الفعّال التي تحدث عنها عبد الله. ففكرة أن القيادة تقتصر فقط على أشخاص معينين لأنهم يمتلكون صفات قيادية هي فكرة خاطئة، إذ إننا جميعاً قادرون على التعلم، وجميعنا قادرون على أن نصبح قياديين.
وهذا هو الأساس، وأود أن أنهي بملاحظة أخيرة، وهي أن التنظيم المجتمعي هو نهج، ولكن تعلّمه ليس صعباً، لأنه ينبع من الممارسات الميدانية. فهناك خمس ممارسات أساسية للتنظيم المجتمعي، وهي:
- القصة العامة – كيفية مشاركة قصتي الشخصية لجذب الناس إلى قضيتي وجعلهم يفهمون المشكلة التي أواجهها، مع الإشارة إلى أن للقصة العامة استخدامات عديدة.
- الفرق القيادية وبنيتها – كيفية بناء الفرق القيادية وتوسيعها وتنظيمها بفعالية.
- العلاقات الالتزامية – كيفية بناء علاقات التزامية حقيقية ومستدامة، لأنه كما ذكرنا، التنظيم المجتمعي أو أي حملة تعتمد على الجهد التطوعي، ولا يوجد شيء يجبر الأشخاص على الاستمرار، لذلك من الضروري إيجاد طرق لبناء التزام تجاه القضية والعمل المشترك.
- تطوير استراتيجية مشتركة – وهو أيضاً من الممارسات المهمة التي يجب تعلمها.
شكراً لكم، وأود أن أنهي بفكرة أن النجاح في حملات التنظيم المجتمعي لا يقتصر فقط على تحقيق تغيير محدد، بل يُقاس أيضاً بمدى استمرارية الفرق التي تواصل المطالبة بالحق، ومدى تعزيز القيادة والتعلم المستمر. فالنجاح يُقاس من زوايا متعددة، وليس فقط بنتيجة واحدة.
شكراً لكِ نور على التزامك بالوقت، وعلى هذه الجلسة الرائعة والمثرية، والتي يظهر من تفاعل الجميع في التعليقات مدى اهتمامهم الكبير بها، سواء من خلال الآراء أو الأسئلة.
المحور الثاني: بناء التحالفات والشراكات في حملات المناصرة.
بعد أن تحدثت نور عن الحملات، وكيفية تنظيمها، وتحديد أهل القضية، والفئات المستهدفة، سيحدثنا الأستاذ صابر سعيد عن أهمية بناء التحالفات والشراكات في حملات المدافعة، موضحاً كيفية تأثير هذه التحالفات في تعزيز النجاح وتحقيق التغيير المرجو. كما سيعرض لنا بعض الأمثلة العملية لتحالفات ناجحة، وأخرى لم تحقق أهدافها، بالإضافة إلى الدروس المستفادة من هذه التجارب.
سنتناول أيضاً بعض التحديات التي تواجه عملية بناء التحالفات، وكيفية التغلب عليها لضمان استدامة التحالفات وتحقيق تأثير أكبر.
معنا في هذا المحور الأستاذ صابر سعيد، وهو متخصص في الإعلام الرقمي والمناصرة، يتمتع بخبرة تتجاوز 8 سنوات في مجالات التوثيق وحقوق الإنسان. عمل مع العديد من المنظمات غير الربحية في العراق، حيث ساهم في توثيق الجرائم والانتهاكات الجسيمة، ودعم الضحايا، وقيادة حملات المناصرة، خاصة بعد الإبادة الجماعية التي استهدفت الأيزيديين والأقليات الأخرى على يد تنظيم داعش عام 2014.
يشغل صابر حالياً منصب منسق مجموعة المناصرة في تحالف التعويضات العادلة (C4JR)، حيث يعمل على تنسيق جهود المناصرة بالتعاون مع المنظمات المحلية في العراق لتحقيق العدالة للناجين من جرائم داعش. يركز صابر على تعزيز قضايا التعويضات والمساعدة القانونية، وضمان وصول أصوات الناجين إلى صناع القرار، بهدف تمكينهم من الحصول على حقوقهم وتعزيز جهود العدالة الانتقالية.
أستاذ صابر، نرحب بك مجدداً معنا في هذه الندوة.
شكرًا للأصدقاء في التكتيكات الجديدة على إتاحة الفرصة والتحدث في هذه الندوة المهمة. سعيد بوجودي معكم، وأيضًا سعيد بالمشاركين والأشخاص الموجودين معنا في هذه الندوة.
طبعًا، كما تفضلت، سأحاول تغطية بعض المواضيع المتعلقة بأهمية وتأثير التحالفات في تقدم حملات المدافعة، وبحكم خبرتي سأعطي بعض الأمثلة الناجحة وغير الناجحة، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها التحالفات. سأركز على التحالفات الموجودة في العراق بحكم عملي وخبرتي خلال السنوات الماضية.
عملت مع العديد من المنظمات التي تعمل خاصة في مجالات المناصرة وحملات المدافعة، خصوصًا بعد أحداث داعش. كلنا نعلم أنه بعد عام 2013، نشأت العديد من الأزمات، بعضها كان متوسطًا، وبعضها كان عالي التأثير في جميع المناطق والمجتمعات. ومع وجود العديد من المنظمات، كانت تجربة جديدة للعديد منها، حيث كانت تقود الحملات بنفسها بشكل فردي، ولكن بصراحة لم يكن لها أي تأثير يُذكر، إذ انتهت بعض الحملات دون تحقيق أي من أهدافها المخطط لها.
تحدثت نور بشكل جميل عن حملات المدافعة، والتنظيم، وكيفية البناء، وسأتحدث الآن عن الخطوة الثانية: كيف يمكننا تحقيق أهداف هذه الحملات من خلال بناء التحالفات؟
طبعًا، أهمية التحالفات تكمن في تعزيز القوة والتأثير للحملة، حيث تتوحد الجهود والموارد، مما يجعل صوتها أقوى. وأيضًا، ضمن التحالفات، هناك تنوع في المهارات والخبرات، مما يسهم في قيادة الحملة بشكل أكثر كفاءة دون الحاجة إلى موارد أو أشخاص خارجيين.
حاليًا، أعمل مع تحالف التعويضات العادلة، وهو مشروع تابع لمنظمة جيان لحقوق الإنسان. هذا التحالف مكوّن من 34 منظمة مجتمع مدني في العراق. وبفضل وجود العديد من المنظمات المختلفة في مناطق متعددة، نادرًا ما نحتاج إلى خبرات أو أشخاص من خارج التحالف، إذ لدينا أشخاص من اختصاصات متنوعة، مما يعزز من قوة التحالف.
إحدى الفوائد الكبرى للتحالفات هي زيادة المصداقية والتأييد. فبحكم عملنا ضمن مجتمعات مختلفة، وأديان متعددة في العراق، هناك دائمًا تساؤلات أو حتى عدم تصديق لبعض الحملات من قبل المجتمعات المختلفة. على سبيل المثال، إذا كانت لدي حملة مدافعة حول قضية معينة تخص مجتمعًا محددًا، قد يشعر أفراد المجتمعات الأخرى بالحساسية تجاهها. لكن التحالف القوي، الذي يضم منظمات من مختلف المناطق والطوائف، يعزز المصداقية، ويجعل من الصعب تجاهل القضية من قبل صناع القرار.
حاليًا، تحالف التعويضات العادلة يضم منظمات من الجنوب والوسط والشمال، ومن مختلف الأديان والقوميات، مما يجعله أكثر تأثيرًا، ويمنع تهميش القضية. من المؤكد أن الحملة التي يقودها فرد واحد تختلف تمامًا عن تلك التي يقودها تحالف يضم عشرين أو ثلاثين منظمة.
أحد أهم مزايا التحالفات هو استدامة الجهود. خلال العقد الماضي، كانت هناك عشرات، بل مئات الحملات التي انتهت دون تحقيق أي نتائج. لكن القليل من التحالفات استمرت، مثل تحالف التعويضات العادلة، الذي تأسس عام 2019، وما زال قائمًا حتى اليوم، ينفذ مشاريع، وينظم أنشطة وفعاليات مستمرة. كما أن انسحاب بعض الأعضاء لا يؤثر على سير العمل، لأن التحالف يبقى قائمًا.
إضافة إلى ذلك، التحالفات تسهل الوصول إلى الجمهور وصناع القرار. بحكم تجربتي، فإن وجود أفراد ومنظمات من مختلف المناطق يسهل الوصول إلى الجهات المؤثرة وصناع القرار، لأن هذه المنظمات لها مشاريع وعلاقات مع مجتمعات مختلفة، مما يساعد في إيصال الرسائل بشكل أسرع.
كما أن التحالفات تقلل الجهد والوقت. إذا كنت تقود حملة بشكل فردي، قد تستغرق منك وقتًا طويلًا لتحقيق أهدافها، لكن مع وجود تحالف قوي، يمكن تحقيق الأهداف خلال شهر أو شهرين فقط.
هل يمكنك مشاركة مثال عملي على قوة التحالفات؟ تجربة تحالف التعويضات العادلة:
شكرًا لك، باسل، على سؤالك حول تجربة تحالف التعويضات العادلة ودوره في تحقيق العدالة للضحايا. بعد أزمة داعش، تعرضت العديد من المجتمعات لانتهاكات خطيرة، وكان هناك الكثير من الناجين والناجيات الذين فقدوا حقوقهم وسكنهم وكل شيء تقريبًا.
بدأت الفكرة تتبلور بعد عام 2018 حول ضرورة تشريع قوانين وطنية تضمن حقوق الضحايا وتعويضهم ومحاسبة المجرمين. في عام 2019، بدأت اجتماعات بين منظمات ونشطاء في المدن العراقية المختلفة، مثل دهوك وأربيل والسليمانية، للضغط على السلطات التنفيذية لتشريع قانون يعوض الناجين والناجيات من الإبادة الجماعية والجرائم التي ارتكبها داعش.
خلال العام 2019، تم تنظيم العديد من الاجتماعات والفعاليات في مختلف المناطق، وتم إشراك أصحاب القضية أنفسهم، أي الناجين والناجيات، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي تعمل في هذا المجال.
بعد جمع المعلومات الضرورية من المجتمعات المتضررة، تم التوصل إلى صياغة مسودة قانون. في البداية، كان التحالف مكوّنًا من 25 منظمة، ثم انضمت منظمات أخرى لاحقًا. وبعد تأسيس التحالف رسميًا، أصبح لديه هيكل داخلي ومنهج واضح ومسودة قانونية جاهزة.
الخطوة التالية كانت الضغط على صناع القرار. قام التحالف بالتواصل مع السلطات التشريعية والتنفيذية لمناقشة القانون ودفعه نحو الإقرار. وبعد عامين من العمل المتواصل، تم بالفعل تشريع “قانون الناجيات الازيديات“، وهو قانون فريد من نوعه على مستوى المنطقة، بل وربما على مستوى العالم، حيث يتضمن:
- تعويض الناجين والناجيات ماليًا.
- دعمهم في استكمال دراستهم.
- محاسبة المجرمين.
- تنظيم فعاليات لإحياء ذكرى الضحايا.
ولكن بعد إقرار القانون، واجه التحالف تحديًا آخر: تنفيذ القانون.
بعد عام من تشريعه، كان هناك تأخير في التنفيذ، لذا استمر التحالف في الضغط على الجهات المعنية لضمان تنفيذ البنود. وبفضل هذا الجهد المستمر، تم صرف أول دفعة من التعويضات للضحايا، وحاليًا هناك أكثر من 2300 شخص يتلقون تعويضات شهرية.
إضافة إلى ذلك، تم تخصيص قطع أراضٍ للناجين، وتنظيم دورات تدريبية لبناء قدراتهم. كما يستمر التحالف في العمل على حملات جديدة، مثل البحث عن المفقودين وإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة المجرمين.
الخلاصة:
تحالف التعويضات العادلة هو مثال حي على كيف يمكن للتحالفات تحقيق نتائج حقيقية ومستدامة. لو لم يكن هناك تحالف يضم هذه المنظمات المختلفة، لما تمكنا من الوصول إلى هذه النتائج.
أستاذ صابر، ممكن أن أسألك سؤالًا؟
أنت قلت إنكم اشتغلتم لأربع أو خمس سنوات كتحالف، فأكيد مررتم بتحديات كبيرة خلال عملكم على إصدار هذا القانون أو على تحسين التعويضات للضحايا. وذكرت أنه في البداية كان ممكن أن تدخل منظمات إلى التحالف وتخرج منه.
وأكيد كانت هناك مجموعة كبيرة من التحديات خلال عملكم. فهل يمكنك ذكر بعض هذه التحديات وكيف حاولتم التغلب عليها؟
طبعًا، خاصة إذا تكلمنا عن دول الشرق الأوسط، فالأنظمة التشريعية والتنفيذية وجميع السلطات غالبًا ما تكون غير متعاونة بشكل جيد مع منظمات المجتمع المدني.
الصعوبات التي واجهناها كانت متعلقة أحيانًا بعراقيل من قبل الجهات أو صناع القرار، أو بعدم وجود تسهيلات، أو بالعمل وفق عامل الوقت. بعض الجهات التنفيذية دائمًا تعتمد على عامل الوقت، فتؤجل الإجراءات، مما قد يؤدي إلى نسيان الموضوع. فهذه من الصعوبات التي واجهناها.
وأيضًا عدم وجود تمويل كافٍ لتغطية كافة الأنشطة. فالتمويل مهم جدًا لأي تحالف.
الصعوبة الأخرى أن المجتمع العراقي يتكون من مختلف الأديان والمناطق، والثقافات تختلف. بعض المنظمات التي كانت معنا، والتي لا تزال موجودة. كانت تطالب ببعض الأمور التي ربما لم تكن مناسبة للمجتمعات الأخرى. فكانت هناك مطالب من بعض المجتمعات قد تثير حساسية مجتمعات أخرى، إذ إن كل منظمة تمثل مجتمعها ولديها مطالب مختلفة.
الصعوبة كانت في كيفية الوصول إلى أهداف مشتركة.
أيضًا، في أي تحالف، هناك دائمًا اختلاف في الأجندات والأولويات، حيث قد تكون لكل منظمة أهداف مختلفة وأولويات متباينة، وأحيانًا قد تحدث خلافات تؤثر على التحالف.
وأيضًا مسألة ضعف الالتزام. لم يكن الجميع دائمًا ملتزمين، فبعض الجهات كانت تنضم إلى التحالف في البداية لكنها تفقد الحماس أو تواجه ضغوطًا أخرى تمنعها من الاستمرار.
الآن، بناءً على ما تحدثنا عنه، أنت أشرت إلى نقطة مهمة جدًا، وهي أنكم كنتم 25 مؤسسة، وحاولتم الوصول إلى أرضية مشتركة وهدف مشترك.
هل كان هذا الأمر يشكل تحديًا؟ وكيف تمكنتم من الوصول إلى هذا الهدف المشترك، خاصة أن 25 مؤسسة عدد كبير جدًا؟
في البداية، عند التأسيس، كان العدد 25 مؤسسة، لكنه الآن 34 منظمة.
بالطبع، كان هذا تحديًا كبيرًا، لكن بعد مشاورات واجتماعات وتبادل الأفكار، تمكنا من الوصول إلى أهداف مشتركة تشمل جميع المكونات والمنظمات المنضوية تحت التحالف.
كان من الصعب إرضاء أكثر من 30 منظمة، حيث إن لكل منظمة أجنداتها وأفكارها وأهدافها المختلفة. لكن من خلال المشاورات والاتصالات، وأيضًا من خلال مشاركة بعض الجهات والخبراء الدوليين والمحليين، تمكنا من الوصول إلى أرضية وأهداف مشتركة قبل انطلاق المشروع.
نور الديسي ذكرت في التعليقات أن “من المهم جدًا توحيد الرؤية والأهداف المشتركة، ويمكن أيضًا التوحيد على قيم أساسية مشتركة يلتزم بها الجميع ويتفق عليها كل من في هذا التحالف.”
مهند علي أشار إلى أن “التحالف يُبنى على أربعة محاور رئيسية، وهي: الصيغة القانونية، الأهداف المشتركة، الاختصاص، والمكان.”
هل تحب أن تعلق على هذا، أستاذ صابر؟
بصراحة، كتحالف التعويضات العادلة، لدينا نظام داخلي، ولدينا لجنة تنسيقية تُنتخب كل سنتين من قِبل 34 منظمة، حيث يتم انتخاب سبع منظمات ضمن اللجنة التنسيقية.
تجتمع هذه اللجنة التنسيقية دوريًا كل أسبوعين، وأيضًا لدينا مجموعات عمل داخل التحالف، مثل:
- مجموعة المناصرة، التي أنا منسقها وأقودها.
- مجلس الناجين والناجيات، الذي تتم استشارته وأخذ موافقته أو آرائه عند اتخاذ أي قرار.
- مجموعة العمل القانونية.
- مجموعة العمل العدالة الجنائية.
- مجموعة العمل حول التعامل الأخلاقي مع الناجيات.
لقد نظمنا أمورنا من خلال تأسيس هذه المجموعات، والأعضاء الموجودون ضمن التحالف لديهم الحرية في اختيار أي مجموعة يرغبون في الانضمام إليها.
تجتمع هذه المجموعات دوريًا كل أسبوعين عبر الإنترنت، وعند الحاجة تجتمع بشكل شخصي.
للاطلاع على أسئلة ومداخلات المشاركين خلال الندوة، يمكنكم الاستماع إليها عبر التسجيل المتوفر في أعلى الصفحة.