من أكثر المعتقدات المُقيِّدة في عالم المدافعة هو الاعتقاد بأن إحداث تغيير ملموس يحتاج إلى ميزانية ضخمة. هذا الوهم يُثبّط النشطاء المحليين عن البدء أصلًا بحملاتهم، وكأنَّ التغيير ترف لا يقدر عليه إلّا المنظّمات الكبيرة أو الدولية؛ غير أن الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يروي قصة مختلفة.
فبعضٌ من أقوى الحملات وأكثرها تأثيرًا بدأت تقريبًا بلا أموال. ما امتلكته تلك الحملات كان إحساسًا والتزامًا تجاه مجتمعاتها، وتكتيكات تجعل من كل خطوة صغيرة ذات قيمة. لم تنتظر هذه الجهود إذنًا أو منحًا، بل استثمرت في الأدوات والعلاقات والمعرفة الموجودة أصلًا.
السؤال الحقيقي ليس: كم تملك؟ بل: كيف تستخدم ما لديك بالفعل؟
قصص تأثير بموارد محدودة
في الطفيلة – الأردن، لاحظت مجموعة من النساء أن المواقع الأثرية القديمة في المنطقة تُنسى، ومعها تضيع فرصة المجتمع في الاستفادة من السياحة. من دون أي دعم خارجي أو تمويل مؤسسي، أطلقن حملة «وجهتنا». نظّمن جولات يقودها المجتمع، ودَعَون مخطّطين ومسؤولين حكوميين، واستخدمن رواية القصص على وسائل التواصل لإعادة تقديم التراث المحلي كمصدر للتنمية. هذه الحملة – القائمة على العلاقات والوضوح لا على المال – جذبت في النهاية اهتمام صانعي السياسات، وكل ذلك بميزانية شبه معدومة.
في النجف – العراق، كانت أزمة المخدرات تتفاقم من دون اهتمام رسمي. قرّر ناشطون شباب أن الانتظار لم يعد خيارًا، فأطلقوا حملة «حياة بلا مخدرات» برؤية واضحة وموارد محدودة. عقدوا منتديات عامة، أبرزوا قصص الناجين، واجتمعوا مباشرة مع صنّاع القرار. في غضون أشهر ساهم عملهم في إنشاء مركز علاجي يضم ٤٠٠ سرير. لم تنجح الحملة بالمال، بل بالصدق العاطفي، والدعم الشعبي، ورسائل مركّزة؛ وكل ذلك بميزانية لم تتجاوز ١٥٠٠ دولار.
في تازارين – المغرب، كانت الفتيات يُحرمن من التعليم بسبب نقص الصفوف الدراسية. جمعت جمعية محلية الأهالي والمعلمين والقيادات، وطالبت بزيادة المرافق التعليمية. عبر التنسيق والحوار والإصرار أقنعوا الحكومة ببناء صفّين ابتدائيين وواحد لرياض الأطفال. نجاحهم جاء من الوحدة والمصداقية وملكية المجتمع للحل، بميزانية لم تتجاوز ١٥٠٠ دولار.
كل هذه الحملات قادتها فرق صغيرة بموارد مالية ضئيلة، لكن برؤية واضحة وفهم عميق لمجتمعها.
كيف نجحوا؟ الاستراتيجية لا الإنفاق
القوة الحقيقية لهذه الحملات لم تأتِ من حجم التمويل، بل من الاستثمار الاستراتيجي.
اتبعت هذه الحملات المنهج ذاته: «منهجية الخمس خطوات لاستراتيجيات فعّالة» (SEM) الذي طوّره برنامج «التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان». هذا المنهج صُمّم خصيصًا للمدافعين ذوي الموارد المحدودة. لا يتطلب ميزانية كبيرة، لكن يتطلب تخطيطًا ذكيًا ومدروسًا.
ويمرّ هذا المنهج بخمس خطوات أساسية:
١. تحديد جذر المشكلة (تحديد المشكلة).
٢. تصوّر ما يبدو عليه النجاح (بناء الرؤية).
٣. رسم خريطة الأطراف الفاعلة ومراكز القوة (تحديد ساحة المناصرة).
٤. اختيار التكتيكات المناسبة للسياق المحلي (ابتكار واختيار التكتيكات).
٥. متابعة التقدّم والتكيّف حسب الحاجة (خطة العمل)
في الطفيلة، استخدم الفريق رسم خرائط الأطراف لتحديد شخصيات في قطاع السياحة يمكن أن تدعم رسالتهم.
في النجف، اعتمدوا على قصص الناجين لبناء رابط عاطفي مع الجمهور وصنّاع القرار.
في تازارين، ركّزوا على بناء إجماع داخلي، مدركين أن وحدة المجتمع أكثر إقناعًا من أي ضغط خارجي.
لم يتحرك هؤلاء بعشوائية، بل فكروا كاستراتيجيين، وشاركوا أصحاب المصلحة، وتكيّفوا مع المستجدات؛ وكل ذلك بميزانيات صغيرة.
كيف يبدو التنظيم بموارد محدودة؟
المدافعة بموارد قليلة تبدأ بإعادة تعريف معنى «الموارد».
فعندما يكون المال محدودًا، تصبح ثقة المجتمع العُملة الأثمن، وتتحوّل المعرفة المحلية إلى معلومة استخبارية، وتصبح العلاقات البنية التحتية الحقيقية.
النجاح في الحملات ذات الميزانيات المتواضعة غالبًا ما يشمل:
- استخدام أماكن المجتمع مثل المدارس والمنازل والأسواق كنقاط لقاء.
- بناء تحالفات قائمة على القيم المشتركة والاحترام، لا على المعاملات المالية.
- التواصل عبر اللقاء المباشر والقصص البسيطة بدلًا من الإعلانات المكلِفة.
- الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة – مثل جمع توقيعات، أو زيارة محلية، أو خبر في الإعلام – لتعزيز الزخم.
هذه النجاحات الصغيرة تبني الثقة العامة والظهور، مما قد يفتح الطريق لدعم أكبر وربما تمويل لاحق.
العمل بموارد قليلة لا يعني إنجازًا أقل، بل يعني إنجازًا أذكى وأكثر انسجامًا مع ما يملكه المجتمع أصلًا.
الخلاصة: الاستراتيجية هي القوة الحقيقية
الاعتقاد بأن التغيير الكبير يحتاج دائمًا إلى ميزانيات كبيرة هو ببساطة غير صحيح. الحملات في الطفيلة والنجف وتازارين لم تنتظر المنح. تحركت بما لديها: دعم المجتمع، خطة واضحة، والكثير من العزيمة.
كل حملة أُنجِزت بموارد محدودة – غالبًا بميزانية أقل من ١٥٠٠ دولار – ومع ذلك تجاوز أثرها التوقعات.
إنَّ «منهجية الخمس خطوات لاستراتيجيات فعّالة» يُقدّم خارطة طريق للمدافعين: التخطيط عن قصد، والعمل بدقة، والتكيّف بذكاء. وهو يثبت أن الاستراتيجية القوية يمكن أن تتفوّق على التمويل الكبير. فالحركات لا تُبنى في جداول الحسابات، بل تُبنى في الأحياء، والصفوف الدراسية، والحوارات.
لذلك، في المرة القادمة التي يقول فيها أحد: «لا نستطيع أن نفعل شيئًا بلا تمويل»، فالجواب الأفضل هو:
«دعنا ننظر إلى ما نملك بالفعل ونبدأ من هناك.»