المدافعة التقاطعية: لماذا يُعدّ الجندر والطبقة والعرق عوامل مهمة في العمل الحقوقي
Intersectional Advocacy

Overview

أغسطس 4, 2025
بقلم دانية حسونة

النقاط الرئيسية

  • التقاطعية تساعدنا على فهم تداخل القمع المرتبط بالجنس والعرق والطبقة.
  • التضامن الحقيقي يبدأ من نقد أنظمة القهر وليس من التعاطف السطحي.
  • الحركات الشاملة تُبنى بفهم علاقات الظلم المتقاطعة.
المشاركة المدنية , حقوق المرأة , النشاط الشبابي

ما معنى التقاطعية ولماذا هي مهمة؟

في القطاع الإنساني، وخاصة في مجال حقوق الإنسان والمدافعة، فإن التصدي للظلم والتمييز يتطلب أكثر من نهجٍ أحادي. فالتجارب الإنسانية تتشكل من خلال عوامل متعددة ومتقاطعة مثل النوع الاجتماعي (الجندر)، والعرق، والطبقة الاجتماعية، والإعاقة، ووضع الهجرة، وغيرها. ومن هذا المنطلق، برزت المدافعة التقاطعية كإطار أساسي لفهم تعقيدات الظلم والتعامل معها بطريقة شاملة وفعّالة.

يُبرز مفهوم التقاطعية أن الأفراد لا يواجهون الاضطهاد بسبب هوية واحدة فقط، بل غالبًا نتيجة تداخل عدة هويات تؤدي إلى تجارب مركبة ومضاعفة من التمييز أو الإقصاء. على سبيل المثال، قد تتعرض امرأة للتمييز القائم على النوع الاجتماعي، لكنها تواجه في الوقت نفسه حواجز ترتبط بوضعها القانوني أو خلفيتها الاجتماعية أو العرقية.

إن دمج عدسة تقاطعية في العمل الحقوقي يسمح للعاملين في هذا المجال بتجاوز الاستجابات الأحادية، وتصميم استراتيجيات تعكس واقع الناس اليومي. فهو ينقل العمل المدافعي من الافتراضات العامة إلى أفعال دقيقة وموجهة تسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للتمييز، وليس فقط مظاهره السطحية.

أهمية التضامن الحقيقي

وتبرز أهمية هذا النهج بشكل خاص في تصميم البرامج، والإصلاحات القانونية، وصنع السياسات. إذ يتطلب منا طرح أسئلة محورية مثل: من الأكثر تأثرًا؟ هل نُشرك الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في عملية صنع القرار؟ هل حلولنا قابلة للتكيّف مع احتياجات وهويات مختلفة؟ تشجع هذه الأسئلة على تحليلات أعمق، ومشاركة أكثر شمولًا، وتدخلات مبنية على فهم حقيقي للسياقات.

كما تُشجّع المدافعة التقاطعية على التعاون بين القطاعات المختلفة سواء كانت العدالة الجندرية، التعليم، الصحة، حقوق العمال، أو العدالة المناخية إدراكًا بأن قضايا حقوق الإنسان لا تُوجد في فراغ. وهي تروّج لممارسات شاملة تُقدّر المعرفة المحلية والتجارب، وتدفع بالمؤسسات نحو مزيد من المساءلة أمام المجتمعات التي تخدمها.

ومن المهم كذلك أن تعتمد التقاطعية على التأمل الذاتي والاستعداد للتعلّم. فهي تدعو العاملين في حقوق الإنسان وصناع السياسات والفاعلين الإنسانيين إلى فحص ممارساتهم وبُناهم وافتراضاتهم التي قد تُقصي – عن غير قصد – بعض الفئات أو تُسكت أصواتها.

أما على المستوى العملي، فقد يتضمن هذا النهج إجراء تقييمات تأثير تقاطعية قبل إطلاق مبادرات جديدة، وضمان تمثيل متنوع في فضاءات اتخاذ القرار، وإزالة الحواجز التي تمنع المجتمعات المهمشة من المشاركة الكاملة في عمليات المدافعة.

حقوق إنسان أكثر شمولاً وعدالة

ومع تصاعد التحديات العالمية المترابطة من الهجرة القسرية والمراقبة الرقمية، إلى التفاوتات المنهجية والعنف القائم على النوع الاجتماعي توفّر المدافعة التقاطعية أساسًا أكثر مرونة واستجابة للعمل. فهي تمنحنا أدوات لفهم التعقيد دون تبسيطه، وتُمكننا من بناء حلول عادلة ومستدامة. وبالنسبة للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات حقوق الإنسان والمدافعة، فإن تبنّي نهج تقاطعي لا يُعدّ مفيدًا فحسب، بل ضروريًا لتحقيق تأثير فعلي. فغالبًا ما تعمل هذه المنظمات عند تقاطع قضايا متعددة، وتتفاعل مع مجتمعات متنوعة تواجه أشكالًا متداخلة من التهميش. ومن خلال دمج التقاطعية في استراتيجياتها، وبرامجها، وأطر التقييم الخاصة بها، تستطيع هذه المنظمات أن تضمن أن يكون عملها أكثر شمولًا، واستجابةً، وتجذرًا في الواقع المعاش للفئات المستهدفة. كما يُمكنها تفادي الحلول الجاهزة، وتكييف تدخلاتها بما يتماشى مع احتياجات الفئات المُهمّشة، وبناء تحالفات عابرة للحركات والهويات. وبهذا، تُعزز دورها كجهات فاعلة في التغيير الاجتماعي، وتُسهم في بناء مجتمعات أكثر عدالة ومساواة وقدرة على الصمود.

في نهاية المطاف، ليست المدافعة التقاطعية مجرد إطار نظري، بل التزام حقيقي بالعدالة والإنصاف والتغيير طويل الأمد. من خلال الاعتراف بكامل أطياف التجارب والهويات، فإنها تُضفي عمقًا ونزاهة وتأثيرًا أكبر على العمل الحقوقي. وفي عالم سريع التغير، لا تُعدّ هذه المقاربة مجرّد خيار، بل ضرورة.

وجهات نظر ذات صلة